بعد زيارة وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الأخيرة إلى واشنطن والتصريحات التي أدلى بها مستشار ترامب،مسعد بولس، بشأن الصحراء الغربية بعد ذالك إضافة إلى الوضع الداخلي المتوتر للنظام، تكثف السلطات المغربية مننشاطها و دعاياتها لتشويه صورة نضال الشعب الصحراوي، و بعث روح اليأس في نفوس الشعب الصحراوي لإيهامهأن الحل النهائي لقضيته هي “الرضوخ و القبول بالحكم الذاتي المغربي”.
لكنهم لا يكتفون بالتلميح، بل يكررون حتى الغثيان، أن مشروع الحكم الذاتي، وهو اقتراح فارغ وغير مناسب، هو الخيارالأفضل في الوقت الحالي، حيث يمكن أن يلبي تطلعات الشعب الصحراوي. ويضيف البعض، بحماس أكبر، صفة”ناشط صحراوي” لتمييز أنفسهم عن الباقين و إعطاء مصداقية أكثر لآرائه المشبوهة.
فمن وقت لآخر نرى أن البعض يقترحون بالفعل، كحل لإنهاء الإحتلال في الصحراء الغربية، قبول خطة الحكم الذاتيالتي اقترحها المغرب في عام 2007. وقد دعمت هذه الخطة ما يسمى بخطتي بيكر الأولى والثانية، والتي فشلت لأسبابسياسية وقانونية معروفة.
الحق في تقرير المصير ليس خيارا، بل هو قدر محتوم. إنه مبدأ كفله القانون الدولي منذ ستينيات القرن الماضي للشعبالصحراوي، وثبَّتته عشرات القرارات الأممية. من أجل هذا الحق، قدَّم الشعب الصحراوي تضحيات جساما: آلافالشهداء، ومئات المعتقلين في السجون المغربية، و عائلات مُشرَّدة في مخيمات اللجوء منذ عقود. و السؤال الذي يطرحنفسه هنا: لماذا يرفض المغرب الاستفتاء؟
بالنسبة للمغرب فإن حق تقرير المصير له تفسير خاطئ. و سيتم طرح نظام الحكم الذاتي الناتج عن المفاوضات لاستفتاءالسكان المعنيين، وفقا لمبدأ تقرير المصير وأحكام ميثاق الأمم المتحدة. و من المعروف أن مبدأ تقرير المصير مختلف تماما؛وإذا تحدثنا باللغة العامية، فإن من حق الشعب أن يختار مصيره، بما في ذلك تشكيل دولة مستقلة. أو كما يقول الدكتوركارلوس رويز ميغيل، فإن سيادة الإقليم تعود إلى السكان الأصليين. وعليه فإن الصحراويين هم الوحيدون المخولونبتحديد السيادة على الصحراء الغربية.
و قد اعتبر الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان أن الاستفتاء في الصحراء الغربية سيكون له فائز وخاسر، وهو المنطق الذي أخذه المغرب بعين الاعتبار بشكل جدي و بنى عليه خطته للحكم الذاتي. إن خسارة “منطقة الصحراء” أمر غير مقبول سياسياً من طرف النظام المغربي لأسباب عديدة. أولا، إن التوازن الدقيق الذي يحكم النظام المغربي مرتبطارتباطا وثيقا بإحتلال الصحراء الغربية.
إنهاء الإستعمار ليس ضماً أو حكماً ذاتياً
إن التجربة التاريخية للقارة الأفريقية تكشف أن إنهاء الاستعمار ليس ضماً أو حكماً ذاتياً. إن هذا الحماس المتجددمؤخراً يغلب أيضاً على مقترح جبهة البوليساريو الذي قدمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن فيالعاشر من أبريل/نيسان 2007، قبل أن يعرف العالم بمقترح الحكم الذاتي المغربي. وفي خضم كل هذه الضجة، انكشفتالنوايا الحقيقية للعديد من المتحدثين والمبعوثين، وليس من المستغرب أن يثير ذلك الدهشة والشكوك ويدفع إلى التساؤلالمشروع في مختلف الدوائر في المنطقة، وخاصة داخل المجتمع الصحراوي.
إن التجربة التاريخية للقارة الأفريقية تكشف أن إنهاء الاستعمار ليس ضماً، وأن إنهاء الاستعمار ليس استقلالاً. فيسياق عملية إنهاء الاستعمار في أفريقيا، يرتبط حق تقرير المصير بكل بساطة بمفهوم الاستقلال وميلاد أمة جديدة. ومهما حاولنا الابتعاد عن هذا التقليد، فإن قضية الصحراء الغربية لا يمكن تناولها إلا في هذا السياق. ومنذ عام 1975،أدت محاولة فرض حل مختلف إلى حرب لم تبقي و لم تذر في منطقة المغرب العربي بأكملها و أدخلت شعوب المنطقة فيحالة من القلق المستمر و عدم الاستقرار.
الحكم الذاتي المغربي هو ضم و مواصلة إحتلال غير شرعي.
إن مقترح الحكم الذاتي المغربي، مهما كان مزينًا بالمديح، ليس أكثر من مجرد ضم. إن ما يدعوا إليه بعض “الناقمون” منالصحراويين هو ببساطة أسهل طريقة لفرض الأمر الواقع الاستعماري وشرعنته و يعتبرونه “الحل النهائي” للقضيةالصحراوية، بغض النظر عن شرعيته من عدمها.
الحكم الذاتي هو استسلام يبدأ ب:
_تفكيك المقاومة الصحراوية وفرض الإحتلال وشرعنته. ما لم يكن من الممكن فرضه بالقوة أو الدبلوماسية لمدة نصف قرن.
_تحريف معنى حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير المتجذر في عقيدة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، و التخليعن كل ما يتعلق بتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.
_ضرب بعرض الحائط كل المكتسبات الدبلوماسية و العسكرية و السياسية للشعب الصحراوي بإغلاق سفاراتهوممثلياته حول العالم.
_تحويل الجيش الصحراوي إلى ملحق للشرطة المحلية المغربية لضمان فرض الحكم الذاتي في الإقليم.
المرحلة الثانية من التوسع المغربي ستبدأ بعد فرض الحكم الذاتي الافتراضي في الصحراء الغربية. ويبدو واضحا أنأنصار الحكم الذاتي في منطقتنا يجهلون تمامًا ما قد يجلبه فرض الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية علىالمنطقة. وسيكون ذلك بمثابة بداية لمرحلة ثانية من التوسع في مختلف أنحاء المنطقة. و في هذه المواجهة الوجودية التييواجه فيها الشعب الصحراوي وطأة العدوان وحده، فإنه يستحق الدعم الموحد من كل جيرانه لصد هذا التوسع حتى لايصلهم. ويحظى هذا المشروع بدعم حتى من جانب أولئك الذين يعتقدون خطأً أنهم يشعرون بالحماية في ظل وضعاستثنائي، محصنين ضد التوسع المغربي، والذين يعتمدون بشكل خطير على مفهوم الحكم الذاتي كحل. إن خلاص كلجيران المغرب سيكون جماعيا؛ وإلا فإننا جميعا سوف نستسلم واحدا تلو الآخر لمخالب توسعها، نيابة عن فرنسا وإسرائيل.
إن ترك الشعب الصحراوي لمصيره، بالإضافة إلى القبول الخطير بالاستيلاء على الأراضي بالقوة، من شأنه أن يفتحالأبواب على مصراعيها أمام منطقة ينتشر فيها التوسع العدواني المغربي و الإسرائيلي و الفرنسي، و تقوده تحالفاتخارجية (الإمارات العربية المتحدة و إدارة ترامب) من أجل إخضاع كل شعوب المنطقة و فرض عليهم أمر واقع جديد. إنردة فعل الشعب الصحراوي ستحدد بلا شك مستقبل المنطقة برمتها.