عفوا رفيقي الغالي الشهيد ” محمد اسليما “
“الشهداء لا يموتون … دماؤهم تزهر ثورة”
اسمه محمد اسليما لحبيب رمضان من عائلة تاريخية ومعروفة وهي أهل ميليد أو مسعود “منطقة ڭليبات ميليد أومسعود بالحفيرة ” من مواليد 1959 بآسا من والدته الباتول حمادي ولد التامك، متزوج مرتين، وله طفلين وثلاث بنات أكبرهن اختار لها اسم سناء نسبة للشهيدة اللبنانية ” سناء محيدلي “، والدتها ” اخويتة منت سويدي ولد الحسين بودبوس ” بالعيون المحتلة، أما إيمان وسمية ومنصور ويوسف فهم من زوجته الحالية: نسمة منت سيداحمد عوييش.
وبخصوص مساره الدراسي فقد أمضى المرحلة الإبتدائية بمدينة بويزكارن والمرحلة الإعدادية بإعدادية “محمد الحسن الحضرامي” بمدينة كلميم والثانوية بمدينة تزنيت/ المغرب.
عين أستاذا سنة 1977 بمدرسة آسا المختلطة بمدينة آسا ثم نائبا لمدير مدرسة الزاك سنة 1978. وفي بداية الثمانينيات اشتغل أستاذا بالتكوين المهني بآسا وبعدها بنيابة التعليم بمدينة كلميم، ثم استاذا بمدرسة الداخلة بكلميم، وحصل على شهادة البكالوريا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، والتحق بمدرسة تكوين الأساتذة بمدينة إنزكان/ المغرب، حيث تخرج بعد سنتين كأستاذ والتحق بمدينة العيون المحتلة أستاذا للتعليم الإعدادي تخصص مادة الاجتماعيات بالثانوية الإعدادية بالعيون “علال بن عبد الله”.
الفقيد ” محمد سليما ” بحكم تكوينه المعرفي ووعيه المبكر بالنظر لمستواه التعليمي استطاع افراد من عائلته في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وهما شهيد الحركة الطلابية الصحراوية لحسن التامك )مركب الشهيد الحسين التامك بمخيمات اللاجئين الصحراويين مخيمات العزة والكبرياء ( ومحمد صالح التامك بحكم احتكاكه بهما، اللذان عملا على تأطيره سياسيا ونضاليا، حيث ساهموا رفقة ثلة آخرين من المناضلين الصحراويين المخلصين في تأسيس اللبنة الأولى للفكر الوطني الثوري بآسا، التي شكلت باكورة العمل النضالي بهذه المنطقة ومحيطها، وأسست بذلك لتجربة ثورية ونضالية متميزة انتجت أجيالا آمنت بمبادئ ثورة 20 ماي الخالدة والمشروع الوطني الصحراوي، ووفرت بذلك إمكانيات نضالية هائلة للعطاء والتضحية والإبداع واختزنت شرط الاستمرارية لفعل يعد رافدا من روافد التجربة الوطنية الصحراوية التحررية.
وقد حكى لي قيد حياته أنه في سياق مَهام نضالية تم تكليفه بها من طرف مناضلين صحراويين كانوا يرافقون أساتذة أجانب يقومون بزيارة لمدينة الطنطان سنة 1976، بإعداد تقارير يومية عن مستجدات القضية الوطنية من خلال تتبع النشرات الإخبارية للإذاعة الوطنية.
وفي نفس سياق مَهامه النضالية آنداك ارتبط بعلاقات وطيدة مع مجموعة المختطفين والسجناء السياسيين الصحراويين السابقين المعروفة ب ” مجموعة 26 “، حيث قام بزيارتهم بسجن القنيطرة “لعواد”/ المغرب قبل استعادتهم لحريتهم سنة 1982.
الفقيد التحق بصفوف الثورة سنة 1991 رفقة مجموعة من المناضلين الصحراويين تاركا وظيفته وغيرها من إغراءات الحياة، تجسيدا لقرار تنظيمي ونضالي اتخذ آنذاك بضرورة تعزيز صفوف الثورة بالشباب، انطلاقا من إيمانه بقدسية الواجب الوطني وما يمليه من التزامات نضالية ووطنية.
بدأ عمله بمخيمات اللاجئين الصحراويين أثناء فترة التربص العسكري بمدرسة الشهيد عمي للأطر العسكرية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي ثم صحفيا مذيعا لنشرات الأخبار بالإذاعة الوطنية، وبعد ذلك عين مستشارا لوزير الإعلام ومديرا لمعهد محمد سيدي إبراهيم بصيري للإعلام والتكوين كما كان من بين مؤسسي اتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين.
وكان الفقيد يقدم بالإذاعة الوطنية برامج من ضمنها برنامجين بعنوان “وقفات وأمجاد” و”أحرار خلف القضبان” وقام بإنجاز روبورطاجات وتغطيات إعلامية للفعاليات والمناسبات الوطنية.
الفقيد رحمة الله عليه كان مكلفا ببعثة الإعلام المرافقة للشهيد الرئيس محمد العزيز إلى قمم الاتحاد الإفريقي وبعض الأنشطة الرئاسية بأوروبا، فضلا عن مرافقته إعلاميا بالخارج لأنشطة مناضلي الأرض المحتلة، حيث كان قيد حياته يرتبط بعلاقات واسعة معهم توجت بإجرائه واستضافته لهم ضمن برامج حوارية بالإذاعة الوطنية.
الفقيد ” محمد سليما ” كان مكلفا بالإعلام لسنوات بسفارة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بالجزائر ومستشارا إعلاميا وثقافيا بصفة دبلوماسي لدى سفارة الجمهورية الصحراوية بالإتحاد الإفريقي بأديس أبابا.
كان الفقيد المناضل الصحراوي ذا نزعة تقدمية، وصاحب رؤية فكرية واضحة ونقدية للظواهر السلبية، مواظبا وعمليا لا يعرف الملل ولا الكلل، وإنسانيا في تعامله وذا أخلاق رفيعة لبقا ولطيفا دائم الإبتسامة منفتحا مؤمنا بالعلاقات الإنسانية لدرجة التقديس.
ترجل الفقيد بعد عقود من النضال، ورغم صراعه الطويل مع المرض في سنواته الأخيرة، واصل كفاحه والدفاع عن قضية شعبه متمسكا بالثوابت الوطنية منافحا عنها، ثابتا على المبادئ حتى آخر لحظات حياته الأخيرة.
يعد فقدان الشهيد ” محمد اسليما ” خسارة كبيرة إنسانيا ونضاليا لكل من عرفه ولكل من عايشوه وجمعتهم به محطات نضالية، وقد كان لي شرف الاحتكاك به والتعرف عليه، واعتبره خير ناصح وموجه وأحد أبرز أساتذتي في مدرسة النضال والثورة ونكران الذات وفي التشبث بعهد الشهداء والابتعاد الكلي عن كل سلوك مخل بمبادئ ثورة 20 ماي الخالدة.
كم هو صعب ألم الفراق ومرارة البعد وحرقة الموت ولحظات الوداع، لكن يبقى عزاؤنا فيما تركه الشهيد من إرث وطني ونضالي قيم وغني، اسهاما في إضاءة مسيرة الأجيال القادمة، باعتباره مثالا وقدوة في العطاء والوفاء العقائدي للقضية الوطنية ولعهد الشهداء، على اعتبار أن الشهداء لا يموتون لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون.
لقد ترك الشهيد أثراً طيباً ساميا ومقدرا مثلما ترك سيرة ذاتية ودروسا راقية ترسم الطريق أمام الخَلَفِ، وترك مبادئ وقيم مثلى يصعب تجاوزها أو نكرانها.
وعلى قول الكاتب الدكتور: مهند مبيضين
وحدهم الشهداء يبقون، وحدهم لا يموتون، ويخلِّدون اسماءهم في سجل البقاء والخلود، تلك قصة يحظى بها الأبطال والبطلات، وتلك شهادة الوجود والولادة الأزليّة.
بقلم: علي سالم ولد التامك
العيون: 21 مارس 2025
