9 يونيو 2024؛ في تذكار الشهيد #الولي مصطفى السيد؛ بعض الرجال، يكتمل دوران عجلة تاريخ شعوبهم مرات ومرات قبل أن يولد مثيل لهم، وقد لا يولد أبداً.
لم يكن طفلاً ولا مراهقاً عاديا. كانت إشارات النبوغ والنضج المبكر طاغية وبادية عليه حسب كل من عرفوه في تلك المرحلة. كان الفتى اليافع، يسابق الزمن، متلهفاً لحرق المراحل. لم ينتظر التاريخ، كان يريد صناعة التاريخ، ابتداء من الساعة الصفر في لحظة فارقة من تاريخ شعبه والمنطقة بكاملها؛
1. وضع نواة التأسيس من الطلبة الصحراويين الدارسين في الجامعات المغربية. أُعتقل وعُذب في السجون على يد جلادين مغاربة، ليكون أول من تذوق مرارة الكأس التي سيشرب ويشرب منها #الشعبالصحراوي فيما بعد.
2. أسس حركة التحرير الوطنية #جبهةالبوليساريو ووضع هياكلها التنظيمية الجامعة. أعلن الكفاح المسلح، وقاد أول فعل عسكري للحركة (ماي 1973).
3. ثقافته ومعرفته الدقيقة للمجتمع قادته إلى عبور تلك الفترة الفارقة برؤية جامعة زجت بمختلف القوى الحية بما فيها شيوخ القبائل الذين أقنعهم، ببراعة فائقة، ليخرجوا من بين فكي كماشة الاستعمار الإسباني والقوى الإقليمية الغازية.
عملية أسندت الشرعية الثورية للجبهة، بشرعية مجتمعية تقليدية ضرورية.
4. تأسيساً على ذلك، أعلن الوحدة الوطنية (اكتوبر 1975) ليصبح الشعب الصحراوي البنية الفوقية الأسمى وصمام الأمان والتأمين على المشروع الوطني.
5. أعلن #الجمهوريةالصحراوية (فبراير 1976)، وهو موقف سياسي استراتيجي وليس قرارا إجرائيا. قرار بمثابة تحديد محطة الوصول النهائية بالنسبة للكفاح؛ تكريس السيادة الوطنية، وبالتالي قطع الطريق أمام أية حلول دون ذلك، أو ركون للراحة في محطة عبور أو توقف للتزود في منتصف الطريق والتعامل معها كما لو كانت نقطة الوصول النهائية!!. انا
6. أسس القواعد الصلبة لتحالفات الشعب الصحراوي الدولية والإقليمية والتي مازالت قائمة إلى حد الساعة #الجزائر وبعضها حتى وقت قريب #ليبيا .
7. لكن الإسهام الأكبر، والفراغ الذي ترك ومازال قائما إلى اليوم، هو محوريّته في البناء العقائدي والفلسفي للحركة والتنظير للفعل الوطني القادر على صنع الفارق باستنهاض القوة الذاتية ضمن المستويات الثلاثة (الرؤية والأساليب والأدوات).
بالفعل، التنظير والبناء العقائدي بالنسبة لحركات التحرر، هو بمثابة الأكسجين بالنسبة للكائنات الحية. غيابه يقود إلى الاختناق الذي يتم الإحساس به بشكل حاد خلال فترات الركود!
8. يبقى لقاؤه التاريخي مع أطر الحركة فيما يشبه خطاب وداع (أبريل 1976) والتسجيلات المتوفرة عنه، بمثابة “موسوعة صوتية” تحتفظ براهنيتها وجاذبيتها ودليل على أن الرجل ظاهرة برؤية استشرافية ثاقبة.
كان المحوران الأبرز للقاء هما المسؤلية الحاسمة للإطار في خلق وصيانة المكاسب من جهة، ومن جهة أخرى القبلية كلغم الطريق الأخطر. اليوم، 48 سنة على ذلك اللقاء التاريخي، يقف الجميع على أن مكمن الخلل القائم سببه؛ عدم الالتزام ب “دليل الاطار الوطني الفاعل والفعال” الذي حدده الشهيد خلال اللقاء، وهو ما قاد إلى ترك التنظيم الوطني مساحات سرعان ما شغلتها القبيلة.
9. الإلتزام الثوري والعقائدي لم يكن “ترفاً” فكريا ولا “مزايدات” لفظية بالنسبة له، فقد كان حريصاً على تجسيده على أرض الواقع. بساطة الرجل، تواضعه وروح دعابته وتشبعه من الثقافة الحسانية والتزامه الديني جعل الإنسان الصحراوي يتمثل نفسه، بسهولة، في شخصية زعيمه.
10. ومثلما يسّر القدر للشعب الصحراوي الولي مصطفى السيد ليحرق به الكثير من المراحل، قدّر الله للرجل أن يجسد قيمة التضحية وينال الشهادة بين مقاتليه، وهو في ريعان شبابه وعلى هرم السلطة.
عملية أنواگشوط موقعةٌ فاصلة أقرب لأن تكون فتحا منها لعملية عسكرية عادية بالنظر لتعقيداتها اللوجستيكية ومكاسبها الرمزية والسياسة وتبعاتها الفاصلة على مستوى الجبهة الموريتانية من النزاع حينها.
11. أغتيل الولي على أيدي بني جلدته من #بنيحسان، وهو الثائر الذي كان يحمل مشروعا لهم جميعا، تماما كما اغتالت #تشيغيفارا مليشيات من بني جلدته في #بوليفيا ، وهو الحالم بتحرير جميع شعوب #أمريكااللاتينية. آثر الزعيمان الموت مع ثلة من المقاتلين في الخطوط الأمامية على دعة “امتيازات” و”مغانم السلطة”.
12. لئن كانت #البوليساريو هي “روح الشعب” كما عنون الراحل #احمدبابا_مسكه كتابه، فالرجل الذي طلب منه تأليف الكتاب هو “روح البوليساريو” في جميع الأزمنة وشعلتها الوضاءة أبداً.
لم يكن الرجل ليعمّر طويلا، فمهمته التاريخية تكون قد انتهت بعد ان أخذ بيد الشعب عقودا من الزمن في ظرف ثلاث سنوات.
لم يكن ليعمر لأنه كان أكبر من أن تسعه جدران السلطة وتشغله تفاصيل التسيير، وكان أسمى وأكثر تبصراً ورحابة من بعض الرفاق الذين استهلكتهم تناقضاتهم الشخصية!