بسم الله الرحمن الرحيم الأخوات والإخوة، مناضلات ومناضلو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، العاملون في ميدان العلاقات الخارجية، الحضور الكريم، نختتم اليوم الندوة الوطنية السنوية للعلاقات الخارجية، كمحطة أساسية في ميدان يشكل واحدة من ركائز الكفاح التحرري الوطني الذي يخوضه الشعب الصحراوي من أجل الحرية والاستقلال. وأود في البداية الإشادة بجهود جهاز العلاقات الخارجية خلال السنة المنصرمة، على مختلف المستويات، الوطنية والجهوية والقارية والمنظمات الدولية وغيرها، والذي حظي بالحيز الكافي للعرض والتقييم، في إطار الهيئات السياسية للجبهة، أو من خلال التعاطي بين الحكومة والمجلس الوطني. ويمكن هنا التذكير ببعض العناوين البارزة، على غرار تعزيز مكانة الدولة الصحراوية كعضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، وإفشال مناورات دولة الاحتلال المغربي، وخاصة في ملف شراكات المنظمة القارية، ما تجسد، مثلاً، في مشاركة الدولة الصحراوية في قمة الاتحاد مع البريكس في جنوب إفريقيا وفي قمة المناخ في كينيا، إضافة إلى تطوير العلاقات الثنائية لبلادنا مع عديد الدول من إفريقيا وأمريكا اللاتينية. كما نسجل التطور الحاصل على مستوى المعركة القانونية وملف الثروات الطبيعية، وخاصة في أوروبا، واستمرار الجهود في المجال التضامني والدور المتنامي للجاليات. كل ذلك، في ظل تمسك الأمم المتحدة بالإطار القانوني للقضية الصحراوية كقضية تصفية استعمار. ولا شك أن ما شهدته الندوة الوطنية على مدار أربعة أيام من عروض ونقاشات وخلاصات واستنتاجات سيشكل أساساً صلباً للتقييم والمراجعة للعمل الدبلوماسي، للوقوف على مكامن القوة ونقاط الضعف، من ثم تحديد أنجع السبل للرفع المستمر من الأداء وحماية وصيانة المكاسب وتطوير أساليب العمل والتنسيق بين مختلف الفاعلين في جهاز العلاقات الخارجية، سواء في الجهة المركزية أو في الجهات الوطنية الأخرى المرتبطة بالعمل الدبلوماسي. الأخوات والإخوة، انقضت سنة حافلة بالعمل والانجازات، وحلت سنة أخرى حبلى بالتحديات، يجب أن تكون صوناً للمكتسبات وتدعيماً للرصيد بمزيد الانتصارات. هناك العديد من الاستحقاقات، القارة والطارئة، التي تتطلب التحضير الجيد، سواء على مستوى الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو مختلف القارات والدول، وفي مستويات وجبهات متعددة، سياسية وقانونية وإعلامية وتضامنية وغيرها.
وبالتزامن مع الذكرى الواحدة والخمسين لتأسيس الجبهة واندلاع الكفاح المسلح، ستشهد السنة تنظيم ندوة دولية برلمانية للتضامن مع الشعب الصحراوي، تحتضنها الجزائر الشقيقة، التي نتوجه إليها بالمناسبة، باسم الشعب الصحراوي قاطبة، بآيات الشكر والتقدير والعرفان والامتنان، بقيادة السيد الرئيس عبد المجيد تبون، على مواقف الدعم والمساندة الراسخة إلى جانب حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال، مثل الشعبين الصحراوي والفلسطيني.
كما نهنئ الجزائر كذلك على دخولها رسمياً في عضوية مجلس الأمن الدولي للسنتين المقبلتين، ممثلة ليس فقط للشعب الجزائري وتاريخه العريق وثورته المجيدة، ولكن أيضاً لكل الشعوب والبلدان التواقة للحرية والعدالة والسلام، سواء في المنطقة المغاربية أو العربية أو الإفريقية أو الإسلامية وفي العالم.
وبالمناسبة، نجدد تأكيدنا على الرؤية المشتركة لمنظمتنا القارية بضرورة إجراء إصلاحات شاملة على مستوى الأمم المتحدة عامة، ومجلس الأمن الدولي بشكل خاص، بما يراعي العدالة والمصداقية ويضمن التساوي في حقوق ومصالح كل شعوب المعمورة. إنها الرؤية التي طالما مثلتها الجزائر خير تمثيل، بل وكان لها السبق في سبعينيات القرن الماضي حين طرحت على المجتمع الدولي فكرة النظام الاقتصادي الدولي الجديد.
ونحن نذكر في هذا السياق بدور الجزائر المحوري في استتباب السلم والاستقرار في منطقتنا، لا يفوتنا أن نجدد التحذير من سياسات التوسع والعدوان التي تنتهجها دولة الاحتلال المغربي، ليس فقط بتنصلها من التزاماتها الدولية في نزاعها مع الجمهورية الصحراوية، ولا بنسفها لاتفاق وقف إطلاق النار بين الجيشين الصحراوي والمغربي، ولكن بدعمها وتشجيعها لعصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية، بما في ذلك عبر تدفق مخدراتها والسعي لتمرير أجندات أجنبية، تعمل بكل السبل لزعزعة السلم والاستقرار وزرع التوتر والاحتقان في منطقة الساحل.
الجمهورية الصحراوية تجدد عزمها على التعاون مع الجزائر وموريتانيا الشقيقتين وكل بلدان الجوار، في سياق التزاماتها داخل الاتحاد الإفريقي وعلى المستوى الدولي، وبما يضمن السلم والاستقرار في المنطقة، في كنف الاحترام المتبادل وحسن الجوار بين جميع مكوناتها الأخوات والإخوة على صعيد الأمم المتحدة، سجلنا خلال السنوات الأخيرة تقاعس المنظمة الدولية، وخاصة مجلس الأمن، عن تحمل مسؤولياتها وتطبيق ميثاقها وتنفيذ قراراتها، وخاصة منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة، على غرار حالة الصحراء الغربية، آخر قضايا تصفية الاستعمار في إفريقيا.
إن التغاضي المخجل بل والتواطؤ المفضوح من بعض الأطراف على مستوى المجلس مع دولة الاحتلال المغربي هو الذي يشجعها على سياسات التعنت والعرقلة والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ونحن نجدد استعداد الطرف الصحراوي للتعاون مع الجهود الأممية لتصفية الاستعمار من بلادنا، نذكر بأن الاتفاق الوحيد، العملي والواقعي، الذي حظي بموافقة وتوقيع طرفي النزاع، الصحراوي والمغربي، ومصادقة مجلس الأمن الدولي، هو خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991.
إن جبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، لا يمكن أن تنخرط في أي مقاربة لا تحترم بشكل صارم حق شعبنا، غير القابل للتصرف ولا للتقادم ولا للمساومة، في تقرير المصير والاستقلال. والشعب الصحراوي متشبث كامل التشبث بذلك الحق المقدس، ومستعد للدفاع عنه بكل السبل المشروعة التي تكفلها الشرعية الدولية، بما فيها الكفاح المسلح.
ونحن نطالب الأمم المتحدة بحماية المدنيين الصحراويين العزل في منطقة نزاع دولي، واقعة تحت مسؤوليتها، وهي ممثلة فيها ببعثتها للاستفاء في الصحراء الغربية، المينورسو، فإننا نعبر عن شديد الإدانة للانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف دولة الاحتلال المغربي في حق أبناء شعبنا في الأرض المحتلة وجنوب المغرب، في ظل القمع والحصار والتضييق. كما نطالب بالإطلاق العاجل لسراح جميع الأسرى المدنيين الصحراويين في السجون المغربية، والوقف الفوري للنهب المغربي للثروات الطبيعية الصحراوية، ونجدد مطالبة الاتحاد الأوروبي بالتقيد بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الأوروبي، وبالتالي الامتناع عن توقيع أي اتفاق مع المملكة المغربية يمس الأراضي أو الأجواء أو المياه الإقليمية للصحراء الغربية.
الأخوات والإخوة، مناضلات ومناضلو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، العاملون في ميدان العلاقات الخارجية، تنعقد هذه الندوة في ظل ظروف جهوية ودولية متميزة بتطورات وتحولات خطيرة.
فمع استمرار الحرب في أوكرانيا وتداعياتها المعروفة على الوضع الدولي، سياسياً واقتصادياً، جاء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما يخلفه من عشرات الآلاف من الضحايا العزل من الأطفال والنساء ومن دمار وخراب، وما تلاه من مواقف متباينة على الساحة الدولية، وما نجم عن كل ذلك من حالة من التوتر والاحتقان في منطقة الشرق الأوسط والعالم. إن هذه التطورات كشفت مدى هشاشة بعض ركائز النظام الدولي، في ظل محاولات فرض منطق القوة وسياسة الكيل بمكيالين والانتهاك السافر للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وفي الوقت نفسه يشهد محيطنا الإقليمي، وخاصة منطقة الساحل، وضعاً غير مستقر، وتزايد بؤر التوتر والتدخلات الأجنبية السافرة. ولا شك أنكم جميعاً مدركون لما تتميز به المرحلة من تطورات وتحديات جمة، يأتي في مقدمتها استئناف الكفاح المسلح في 13 نوفمبر 2020، بعد أن أقدمت دولة الاحتلال المغربي على نسف وقف إطلاق النار بين الجيشين الصحراوي والمغربي، وتصعيد ممارساتها الاستعمارية، من قمع وتنكيل وحصار واستيطان وحملاتها الشعواء لاستهداف مكاسبنا وجبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية.
إن النظام التوسعي المغربي يوجد اليوم في حالة هيستيرية نتيجة الإخفاقات المتلاحقة والضربات الموجعة والمتتالية التي تلقاها ويتلقاها، على مختلف الجبهات والمستويات، عسكرياً ودبلوماسيا وقانونياً وغيرها. ومثلما هو معروف عن هذا النظام وأمثاله، فإنه، وأمام هذه الوضعية قد يلجأ، في أي وقت، إلى ارتكاب حماقة وسلوك متهور وخطوة غير محسوبة العواقب، مما يستدعي أخذ جانب الحيطة والحذر والاستعداد الدائم لمواجهة كل الاحتمالات.
وكما كان الأمر منذ المراحل الأولى لثورتنا التحريرية، يجب أن يكون جهاز العلاقات الخارجية حاضراً بقوة في صدارة المعترك، ويجب أن يكون المنتسبون إليه، كقوة ونخبة نوعية، في مقدمة الصفوف. يجب أن يكونوا قدوة ومثالاً، يرافقون العمل الميداني لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي ويتجاوبون، بسرعة واستمرارية، مع تلك الملاحم والبطولات التي يصنعونها وتصنعها جماهير شعبنا في الأرض المحتلة ومخيمات العزة والكرامة وفي كل مكان.
إن كل ذلك يعني قبل كل شيء أن على العاملين في جهاز العلاقات الخارجية، في كل المناصب والمهام، التحلي بروح المسؤولية والتضحية والعطاء ونكران الذات والمثالية والميدانية والتعاون والانسجام، لا يعتمدون في عملهم ونجاحهم على الإمكانيات بقدر ما يعولون على الفعل الميداني النوعي للمناضل الواعي والمنضبط، القادر على مواجهة كل التحديات وتجاوز كل الصعوبات.
وكما أكدنا خلال المؤتمر السادس عشر للجبهة، وتجسيداً لشعار المؤتمر، وبالنظر إلى كل هذه التطورات، فإنه يظل من الضروري تصعيد وتيرة العمل الخارجي، في إطار دبلوماسية هجومية، بأهداف وخطط عمل محددة، ومن خلال أداة فعالة، وعلى أعلى قدر من الالتزام والتجنيد الدائم، وتوسيع رقعة الفعل الدبلوماسي على كل الجبهات، وتحديث وتنويع خطابه وأدواته والتصدي لسياسات وخطط دبلوماسية العدو
الأخوات والإخوة ومع حلول سنة 2024، نتوجه باسمكم بالتهنئة إلى شعبنا البطل، في كل مواقع تواجده، وفي مقدمته جيش التحرير الشعبي الصحراوي، بحلول عام جديد من الكفاح والمقاومة والصمود البطولي، من الثقة الراسخة في النصر الحتمي الأكيد. إنها سنة تحمل دلالة عميقة لكونها سنة الذكرى الخمسين لاستشهاد أول شهيد للجبهة، البشير لحلاوي، وهي مناسبة نقف فيها اليوم وقفة ترحم وتقدير وإجلال، وقفة التزام بالوفاء بعهد شهداء القضية الوطنية البررة الكرام، وفي مقدمتهم مفجر الثورة، الولي مصطفى السيد، والرئيس الشهيد محمد عبد العزيز.
لقد حققت الجبهة الدبلوماسية الصحراوية مكاسب مهمة خلال السنة المنصرمة، مما يشكل أرضية مناسبة لجهاز العلاقات الخارجية للانطلاق في مرحلة جديدة، بقوة وعزم وتصميم، لجعل سنة 2024 سنة محورية في العمل الدبلوماسي، في سياق كفاحنا الوطني التحرري على كل الواجهات، على درب النصر النهائي، باستكمال سيادة الدولة الصحراوية على كامل ترابها الوطني. تصعيد القتال، لطرد الاحتلال واستكمال السيادة.