تحيي الجزائر غدا الأربعاء الذكرى الـ 69 لثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة التي قدمت للإنسانية أروع الأمثلة في التضحية وأصبحت تعد نموذجا في الكفاح ضد قوى الاستعمار والطغيان عبر العالم.
وقد توجت هذه التضحيات الجسام مسيرة 132 سنة من المقاومة والكفاح ضد أكبر استعمار استيطاني، باسترجاع السيادة الوطنية في الـ 5 يوليو 1962 لتنطلق بعدها مرحلة البناء والتشييد. وقد ظلت الجزائر وفية لعهد ورسالة الشهداء الأبرار وحلمهم في رؤية هذا الوطن مستقلا، مزدهرا ومستميتا في الدفاع عن الشعوب المستعمرة والمظلومة وحقها في تقرير مصيرها.
وفي هذا السياق، يأتي إحياء ذكرى ثورة الفاتح من نوفمبر هذه السنة، متزامنا مع ظرف إقليمي معقد يخوض فيه الشعب الفلسطيني الشقيق معركة وجود، بمجابهته لعدوان صهيوني وحشي على قطاع غزة يستهدف المدنيين من النساء والاطفال والشيوخ ليعيد الى أذهان الجزائريين أمجاد وبطولات أسلافهم في الصبر والمقاومة والتضحية. وترجمة لهذه المعاني، تقف الجزائر حكومة وشعبا إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، مؤكدة أن ما يحدث في غزة “جرائم حرب مكتملة الأركان” وأن الفلسطينيين “ليسوا إرهابيين لأنهم يدافعون عن وطنهم وحقوقهم”.
في هذا السياق “لقبوا الجزائريين هم أيضا بالإرهابيين حينما دافعوا عن أرضهم ضد الاستعمار الفرنسي”، استشهادا بمقولة الشهيد الرمز العربي بن مهيدي في رده على اتهامات الفرنسيين للمجاهدين بممارسة الارهاب عن طريق تفجير القنابل الموضوعة في القفف: “أعطونا طائراتكم نمنحكم قففنا”.
وإدراكا لمكانة الثورة التحريرية التي شكلت دوما مصدر إلهام للشعوب المستعمرة والمقهورة عامة وللشعب الفلسطيني تحديدا، طلبت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، بأمر من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من البعثات والقنصليات العامة والقنصليات الجزائرية بالخارج، إلغاء كل التحضيرات المتعلقة بالاحتفالات المخلدة لذكرى أول نوفمبر المجيدة لهذه السنة “تعبيرا عن تضامن الشعب الجزائري والدولة الجزائرية مع أهلنا وأشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر الذين يواجهون عدوانا غاصبا ووابلا من الجرائم والمجازر المرتكبة بحقهم من قبل المحتل الصهيوني”.
من جهة أخرى، تأتي الذكرى الـ 69 لثورة الفاتح نوفمبر لهذه السنة مواكبة لمسيرة تجسيد معالم الجزائر الجديدة التي شرع في رسم معالمها الرئيس تبون منذ انتخابه في ديسمبر 2019، التزاما منه بتعهداته الـ 54، وفي مقدمتها ملف الذاكرة الذي جعل منه “واجبا وطنيا مقدسا لا يقبل أي مساومة وسيظل في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية”.
كما أكد رئيس الجمهورية الجزائرية في العديد من المناسبات حرصه الشديد على التعاطي مع ملف التاريخ والذاكرة “بعيدا عن أي تراخ أو تنازل وبروحِ المسؤولية التي تفتضيها المعالجة الموضوعية النزيهة وفي منأى عن تأثيرات الأهواء وهيمنة الفكر الاستعماري على لوبيات عاجزة عن التحرر من تطرفها المزمن”.
و من بين المكاسب المحققة في مجال الذاكرة، يجدر التذكير بقرار رئيس الجمهورية القاضي بترسيم تاريخ الثامن مايو يوما وطنيا للذاكرة, تخليدا لذكرى 45 ألف شهيد سقطوا طلبا للحرية والاستقلال في سطيف وقالمة وخراطة ومدن أخرى من الوطن، في واحدة من أبشع جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر، وكذا ترسيم الوقوف دقيقة صمت، سنويا عبر الوطن، ترحما على أرواح شهداء مجازر 17 أكتوبر 1961 بالعاصمة الفرنسية باريس في مبادرة تهدف الى تثمين تضحيات أبناء الجالية الجزائرية بالمهجر وارتباطهم بوطنهم الأم ومساهمتهم في تحريره من نير الاستعمار.
كما تعزز هذا المسعى بقناة الذاكرة التي أصبحت منذ انشائها نافذة للاطلاع على تاريخ الثورة عبر برامج متنوعة تشمل ندوات وشهادات وأفلام وثائقية وسينمائية تخلد مآثر الشعب الجزائري وبطولاته عبر التاريخ، لاسيما خلال الحقبة الاستعمارية. ومع توالي السنوات والعقود، تبقى ثورة أول نوفمبر المظفرة محطة شاهدة على عظمة الجزائر وهمة شعبها وعلو شأنه الذي خط بدماء أبنائه صفحة مجيدة من تاريخ بلاده والعالم، كرست معاني المقاومة في سبيل تحقيق النصر ودحر قوى الاستعمار الغاشم.
لقد جعلت القيم الانسانية التي دافعت عنها الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة، جعلت من الجزائر ” مرجعا” للدفاع عن القضايا العادلة في العالم. ومثلت مصدر إلهام لكل الضمائر الحية والشعوب الحرة في العالم، لدرجة أن الجزائر أصبحت مرجعا للدفاع عن القضايا العادلة في العالم وموطنا لحقوق الإنسان، كما مثلت تجربة حاسمة لتحرر الشعوب العربية والاسلاميةّ وفي مقدمتها الشعبين الفلسطيني والصحراوي.