في حوار جدير بالمتابعة الدبلوماسي المخضرم أبي بشرايا البشير: “المدن المحتلة من الصحراء الغربية مازالت مسرحا لكل أشكال الإنتهاكات البشعة والممنهجة لحقوق الإنسان وسط صمت دولي”.
في ظل تزايد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالجزء المحتل من الصحراء الغربية و تواصل الدعوات الحقوقية لانشاء ٱلية دولية لحماية المدنيين الصحراويين من جرائم الاحتلال المغربي، كان لنا حوار خاص مع السفير، أبي بشرايا البشير، ممثل جبهة البوليساريو بسويسرا ولدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف، و الذي تحدث فيه عن مطالبة مجموعة جنيف للدول الصديقة خلال أشغال الدورة ال53 لمجلس حقوق الانسان المفوض السامي لحقوق الانسان بضرورة استئناف بعثات تقصي حقائق الى الإقليم والمتوقفة منذ 2015 بسبب رفض الاحتلال المغربي، كما تطرق إلى عدد من المواضيع منها طلب المغرب الترشح لرئاسة مجلس حقوق الانسان و مساعيه من وراء هذا الترشح. تحدث السفير، أبي بشرايا البشير أيضا في هذا الحوار عن موقف الاتحاد الافريقي من النزاع في الصحراء الغربية و تعاطي الدول الافريقية مع القهر والقمع الذي يمارسه الاحتلال المغربي في حق الشعب الصحراوي.
بلقيس ختاش: على هامش الدورة الـ53 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أكدتم على أن استمرار عجز الأمم المتحدة عن توفير أدنى شروط الحماية للمدنيين الصحراويين ومحاباة أوروبا للمغرب يعمق إحباط الشعب الصحراوي، ، فما المنتظر من الهيئة الأممية هذه المرة ؟
أبي بشرايا البشير: الحقيقة موضوع حقوق الانسان في الصحراء الغربية، لا يشكل سبب احباط كبير بالنسبة للشعب الصحراوي فقط، بل للمتضامنين معه ومحبي السلام والعدالة عبر العالم أيضا، فبالرغم من وضوح القضية وعدالتها والوضع القانوني للإقليم الذي تترتب عنه مسؤولية دولية تجاه الأرض وشعبها إلا أن المدن المحتلة من الصحراء الغربية مازالت مسرحا لكل أشكال الانتهاكات البشعة والممنهجة لحقوق الانسان دون تحدث من العالم، خاصة وأن الأمم المتحدة لديها بعثة سلام “المينورسو” منذ 32 سنة لا تمتلك أدنى صلاحية في مراقبة حقوق الانسان والتقرير عنها بالرغم من النداءات المتكررة من طرف الدول والمتضامنين والمنظمات الدولية الحقوقية. في هذا الإطار تأتي مطالبة مجموعة جنيف للدول الصديقة خلال أشغال الدورة ال53 لمجلس حقوق الانسان المفوض السامي لحقوق الانسان بضرورة استئناف بعثات تقصي حقائق الى الإقليم والمتوقفة منذ 2015 بسبب رفض الاحتلال المغربي، المجموعة طالبت بأن يتم تقديم نتائج البعثة وتقرير عن الوضعية خلال الدورة القادمة.
نتمنى فعلا أن يجد هذا النداء آذانا صاغية، وأن تتم القطيعة مع حالة الاستثناء المشينة المسجلة الآن والتي جعلت من الصحراء الغربية اقليما مغيبا عن رادار الاهتمام الحقوقي الدولي.
مطلب انشاء ٱلية دولية لحماية المدنيين الصحراويين موجود على الطاولة منذ بداية الإحتلال المغربي للصحراء الغربية و الٱن مع تزايد حملات القمع المغربية، أصبح من الضروري توحيد الجهود من أجل تسريع إنشائها، حسب رأيكم هل إنشاء هذه الٱلية سيضع حد للتجاوزات المغربية؟
هذا مطلب قديم جديد وقد رافق الاحتلال منذ البداية الى الآن، لأن أبشع انتهاكات حقوق الانسان رافقت الغزو منذ نهاية 1975 الى يومنا هذا، خلال السنوات الأخيرة أصبح عنوانا بارزا خلال كل جلسات مجلس الأمن الدولي الدورية لتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، لكن، وبسبب الفيتو المغربي المدعوم من طرف دول نافذة في المجلس مازال هذا الأخير عاجزا عن إقرار هذ المطلب، والحقيقة أن حصول البعثة على هذه المأمورية أصبح اليوم ملحا أكثر من أي وقت مضى، بسبب تفاقم الانتهاكات على الأرض على خلفية انهيار وقف إطلاق النار ووصول المسار السياسي الى مرحلة الانهيار التي تنذر بتصيد أكثر خطورة اذا لم يتحرك المجتمع الدولي لتدارك الموقف. تمكين البعثة من مأمورية مراقبة حقوق الانسان والتقرير عنها، ستساهم بالتأكيد في خلق سياق إيجابي جديد ضروري قبل الحديث عن إطلاق العملية السياسية مجددا.
إنهيار المسار بما في ذلك وقف إطلاق النار وحالة الانسداد الحالية سببها عدم إحراز الأمم المتحدة لأي تقدم في تنفيذ مأموريتها الأساسية ألا وهي تصفية الاستعمار ولا حتى في القضايا الملحقة بها والمتعلقة بضمان احترام حقوق الانسان الصحراوي تحت الاحتلال ومنع استمرار نهب الثروات الطبيعية الصحراوية من طرف دولة الاحتلال. رفض المغرب لتمكين البعثة من تلك المأمورية دليل على هلعه الكبير من ردة فعل المدنيين الصحراويين في حالة احساسهم بأدنى درجات الحماية الدولية، مما سيمنحهم فرصا أكبر للتظاهر والتعبير عن تطلعهم نحو الاستقلال الوطني وهو ما سيغير موازين القوة على الأرض.
تجرأ نظام المخزن على تقديمه لملف رئاسة مجلس حقوق الإنسان الأممي رغم عدم التزامه بكافة اتفاقيات حقوق الإنسان الموقعة في إطار القانون الدولي، حسب رأيكم ماذا يسعى نظام المخزن من وراء هذا الترشح؟
يسعى المخزن الى التواجد في كل مواقع المسؤولية في العواصم المتعددة الأطراف من أجل التمكن من مغالطة العالم وتجنب قرارات منددة به من خلال لجوئه إلى المغالطة وتزوير الحقائق والرشوة والفساد كما هو موثق ضد سفارات المملكة المغربية في جنيف وبروكسيل وعواصم أخرى. مجرد تفكير المغرب في الترشح لرئاسة مجلس حقوق الانسان يعتبر سبة وإهانة لافريقيا وللنظام الحقوقي الدولي، إذ لا يعقل أن بلدا بسجل سيء كالمغرب يتطلع الى رئاسة أكبر هيئة حقوقية دولية كمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة.
كيف تقيمون حضور القضية الصحراوية في المحفل الافريقي و تعاطي الدول الافريقية مع القهر والقمع الذي يمارسه الاحتلال المغربي في حق الشعب الصحراوي؟
الاتحاد الافريقي موقفه واضح من النزاع في الصحراء الغربية ومن كفاح الشعب الصحراوي ولديه قرارات واضحة تطالب باحترام حقوق الانسان في المدن المحتلة وتدعم إنشاد آلية دولية لذلك، وبالرغم من الألعاب النارية التي تقوم بها الرباط بين الحين والآخر من خلال تقديم مواقف بعض الدول الافريقية الفردية المعزولة الداعمة للطرح المغربي، الا أن موقف الاتحاد الافريقي الذي يعكس كلمة الدول الافريقية الموحدة قوي وواضح، وأكثر ما يعبر عنه هو القرار الأخير لمحكمة الشعوب الافريقية لحقوق الانسان والشعوب الصادر في سبتمبر 2022 والذي ندد باستمرار احتلال المملكة المغربية لأجزاء من تراب الجمهورية الصحراوية، مطالبة جميع الدول الافريقية بالانتصار لقضية الشعب الصحراوي ودعم كفاحه المشروع والامتناع عن كل ما من شأنه التأثير سلبا على ذلك. لقد راهن المغرب من خلال انضمامه للاتحاد الافريقي يناير 2017 على تحييد إفريقيا والتأثير على مواقفها لكنه فشل فشلا ذريعا.
كيف يمكن تفسير مماطلة المجتمع الدولي في الوفاء بالتزاماته من أجل ضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ؟
للأسف الشديد، المجتمع الدولي كما يُدار الآن، يعكس فقط مواقف ومصالح بعض الدول النافذة وليس المبادئ والقوانين الدولية وقواعد اللعبة المتفق عليها التي يعكسها ميثاق الأمم المتحدة، حيث تقرير المصير وحقوق الشعوب في التحرر مبادئ مركزية، ولكن يجب أن نتذكر دائما أن أغلب الشعوب المكافحة التي تمكنت في النهاية من افتكاك استقلالاتها الوطنية، عانت كثيرا من إدارة ظهر المجتمع الدولي لقضاياها العادلة بسبب مواقف بعض القوى النافذة خاصة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي. اليوم تتم مماطلة الشعب الصحراوي والشعب الفلسطيني أيضا، بنفس السبب، ولكن التاريخ قال ويقول كلمته، والحرية والاستقلال ستكون من نصيب الشعبين مهما طال الوقت.