وكالة الأنباء الصحراوية: تمر اليوم الأربعاء الذكرى السابعة لرحيل رائد الكفاح التحرري الصحراوي و أيقونة الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي الفقيد الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز الذي غيبه الموت اثر مرض عضال يوم 31 ماي 2016، تاركا وراءه رصيدا ثريا من المبادئ النضالية والسياسية التي شكلت مرجعية للأجيال الصاعدة لمواصلة مسيرة الكفاح. ويسترجع أحرار العالم هذه الأيام ذكرى وفاة الرئيس محمد عبد العزيز كأحد رموز السلم وواحد ممن امتشق الكلمة سلاحا لخدمة الحرية والديمقراطية، رهن حياته كلها في سبيل أن يستعيد وطنه وشعبه حقوقهم المشروعة، على رأسها حق تقرير المصير والاستقلال. وتعود ذكرى وفاة الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز في وقت عاد فيه قضية شعبه إلى مربع الصفر، بعد قرار الجمهورية الصحراوية العودة إلى الحرب التحريرية إثر خرق الاحتلال المغربي السافر لاتفاق وقف إطلاق النار يوم 13 نوفمبر 2020. وظل الراحل الشهيد قائدا عسكريا إلى غاية انتخابه خلال اشغال المؤتمر الثالث لجبهة البوليساريو الذي انعقد في أغسطس 1976، كأمين عام لها ورئيسا لمجلس قيادة الثورة، بعد رحيل الشهيد الولي مصطفى السيد في 9 يونيو 1976. ويعتبر الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، ايقونة متميزة في تاريخ الشعب الصحراوي، حيث ترك بصماته في شتى مناح الحياة بعد اربعة عقود من النضال والقيادة والريادة للمشروع الوطني، يظل كذلك مدرسة نهلت منها اجيال من بعد اخرى لعب دورا فاعلا في الدعوة إلى الوحدة الوطنية وتعميم نتائج ملتقى عين بنتيلي،اكتوبر 1975 في نهاية 1975 قاد الدفعات الأولى المتدربة لدى الجزائر الشقيقة وبعد التخرج عين قائدا للناحية العسكرية الأولى، اي الشمال، حيث قاد الكثير من المعارك ضد قوات الغزو المغربية في شمال الصحراء الغربية وجنوب المغرب ومنها معركة توكات ورأس الخنفرة واريدال والزاك ولمسيد، اجديرية وحوزة والفرسية وفي جنوب المغرب وجر. بعد استشهاد مفجر الثورة الولي مصطفى السيد شارك بفعالية في المؤتمر الثالث لجبهة البوليساريو، مؤتمر الشهيد الولي مصطفى المنعقد في 25 غشت 1976 وكان حينها جريحا، وانتخب عضوا باللجنة التنفيذية وأمينا عاما لجبهة البوليساريو. من بين الأولويات التي كان يدعو إليها في المؤتمر وحدة القيادة والشعب والدعوة إلى شن هجمة الشهيد الولي مصطفى السيد. كان قائدا عسكريا محنكا يدير المعارك ويشرف عليها بكل شجاعة ورزانة وتحكم واقتدار سواء في الصحراء الغربية أو في جنوب المغرب او في شمال وجنوب شرق موريتانيا آنذاك. ترك بصماته في بناء المؤسسة العسكرية بكل مكوناتها وتشكيلاتها وتحديثها عبر كل مراحل الكفاح، كان حريصا على الإعداد والتكوين المستمر للعنصر البشري من خلال التخطيط والإشراف الميداني على المعارك والتدريب إلى أن أصبح الجيش الصحراوي نموذجا يحتذى به في المنطقة وتدرس تجربته القتالية والتنظيمية في الكليات والمدارس الدولية. يعتبر الشهيد محمد عبد العزيز، رمزا لمشروع بناء الدولة الصحراوية العصرية حيث كان حريصا على شمولية البناء لكل مكوناتها حالا ومستقبلا وتكييفها مع المراحل، كان يولي الأهمية القصوى للتعليم والصحة والعدالة والقانون، كون ذلك ركيزة اساسية في بناء الدول. طالما أكد على دولة المؤسسات التي تقودها حركة المبادئ مع أهمية فصل السلطات والدور النيابي خاصة في الرقابة وضمان الشفافية ونزاهة الانتخابات واحترام حقوق الإنسان وأنشأ الآليات والهيئات التي تضمن ذلك. أولى الشهيد اهتماما خاصا بالمرأة وأقنع المجتمع بضرورة تبوئها لمكانتها الطبيعية في كافة الهيئات السياسية والإدارية. من أبرز انشغالاته العناية الدائمة والخاصة التي كان يوليها للشباب وكانت قناعته أن الطلائع الحقيقية للشباب هي تلك التي تلتحق باستمرار بصفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي دون أن يغفل عن بناء المؤسسات السياسية والإدارية التي تعنى بالشباب. وذلك انطلاقا من قناعته الراسخة بأن الجماهير هي التي يعول عليها في ضمان المستقبل، خاصة الشباب وتواصل الأجيال. عمل منذ البداية على توسيع دائرة الاعتراف بالدولة الصحراوية وكان مستميتا في إقناع الأفارقة بانضمام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إلى حظيرة منظمة الوحدة الإفريقية وواجه ادعاءات الحسن الثاني وقبل الاستفتاء، أقنع الأفارقة بتشكيل لجنة حكماء من رؤساء دول لإعداد المشروع الذي أصبح يعرف بخطة التسوية المشتركة بين الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة والتي وقعها المغرب وجبهة البوليساريو في 30 غشت 1988 قبل بالتفاوض بمراكش وبالرباط وقبل ذلك في الطائف والجزائر والبرتغال لإفشال مناورات الحسن الثاني ، حشد الدعم وكل وسائل الضغط لإرغام المغرب على الدخول في مخطط التسوية الأممي الذي دخل حيز التنفيذ في 6 سبتمبر 1991. كان من بين القادة الأفارقة الذين أسسوا الاتحاد الإفريقي. عرف الشهيد الرئيس محمد عبد العزيز كيف يتعامل مع المغرب وضغوط حلفائه لتجاوز العراقيل أمام تحديد الهوية وفرض على المغرب التوقيع على اتفاقيات هيوستن ليقنع العالم فيما بعد بأن المغرب لا يريد الحل السلمي بل” يريد ربح الوقت عبر المماطلة ومغالطة ” الأمم المتحدة وهو ما اتضح من خلال رفض المغرب لمخطط التسوية، خاصة خطة بيكر فيما بعد. انتهج الشهيد محمد عبد العزيز في تعامله مع المغرب خطة “العزل وتضييق الخناق ثم وضع النظام المغربي أمام حقيقته”. وهو اسلوب جعل الرباط تجد نفسها في عزله عن إفريقيا وأمريكا اللاتينية. قبل نقل الصراع فيما بعد إلى الساحة الأوروبية عن طريق البرلمانات وحركات التضامن الواسعة التي كان يحرص على حضور ملتقياتها السنوية شخصيا ليحول الصراع على الساحة الأوروبية إلى صراع قانوني أنتج قرار محكمة العدل الأوروبية بعدم شرعية نهب ثروات الإقليم واحتلال المغرب للصحراء الغربية. بل انه كان مصرا على مواجهة النهب المغربي للثروات الطبيعة، لدرجة انه قال ذات مرة مازحا، حتى لو كلفنا تسديد أجرة المحامي في المحاكم الاوربية، بيع حلي الصحراويات لابد من خوض المعركة القانونية. !؟ مع تعثر مخطط التسوية والتأكد من عدم جدية المنتظم الدولي والمغرب في السير في مخطط التسوية، راهن على انتفاضة السلمية بالأرض المحتلة، وحرص على توجيهها والوقوف بجانب ضحايا القمع الوحشي المغربي ومؤازرة المعتقلين والمرافعة عنهم، و ظل حريصا على استقبال شخصيا الوفود القادمة من الأرض المحتلة وجنوب المغرب والمواقع الجامعية التي تزور مخيمات العزة والكرامة والأراضي المحررة رافق مسار المفاوضات بالمتابعة والاشراف في مراحله المختلفة تحت اشراف الأمم المتحدة والحرص أن تبقى العملية تحت مظلة الأمم المتحدة، خاصة ضمن بند تصفية الاستعمار . وكان يعتبر أن أهم شيء يمكن كسبه من ذلك بجانب حضور القضية في أجندة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وضع النظام المغربي في” زاوية ضيقة وكشف حقيقته” امام المنتظم الدولي خاصة حلفاؤه واظهار تناقضاته ثم ادخاله في صراع مع الأمم المتحدة، وهو ما ظهر في أكثر من مناسبة، خاصة المبعوث الشخصي جيمس بيكر ، كريستوفر روس ، الممثلة الخاصة، الأمين العام السابق بان كي مون ووصل ذلك إلى مجلس الأمن في تبنى بعض القرارات المهمة. خلق شبكة واسعة من العلاقات الشخصية خدمة للقضية الوطنية مع رؤساء دول وحكومات برلمانيين وكتاب وصحفيين وفنانين ومبدعين، وفي مقدمتها حرصه على العلاقات المتميزة مع دول الجوار بما فيها مع الشعب المغربي. كان يعرف قيمة الوقت في مراكمة التجرية ويتسامح مع كل الأخطاء التي تندرج في إطار اكتسابها وتقويتها. رجل سريع التكيف مع التطورات الطارئة ويرسم خططه بطريقة ذكية لتفادي المفاجأة وبالشكل الذي يضمن السلاسة في اتخاذ المواقف والقرارات، لا يقدم على خطوة إلا وكان قد أطر لها، حتى في المواقف الاجتماعية، يتفادى أي موقف غير مؤسس على تحضير نفسي. بالنسبة له كل شئ يجب أن يطبخ على نار ثم يترك حتى ينضج ثم يسهل هضمه، الثمار لا تقطف إلا عندما تكون يانعة، فكذلك القرارات والمواقف لا تتخذ الا عندما تكون تربيتها جاهزة، وفي المواقف الملتهبة وجب التهدئة دون غيرها .. يعتبر الوحدة الوطنية “حجر الزاوية” في مواجهة العدو، وكذلك فإن وحدة القيادة تخلق وحدة التصور والتفكير المنسجم ، وفي غياب المعلومات والمعطيات خاصة بالنسبة للرأي العام يدخل التشكيك وضبابية الرؤية ومن ثمة يمكن أن تضلل الناس .. ولذلك كان حرصه شديدا على أهمية التنظيم السياسي القائد الإعلام بالنسبة له وكذلك الثقافة، ليس فقط انهما سلاح وأداة لتنوير الرأي العام الوطني ولكن أيضا لمواجهة الحرب وآثارها النفسية وتوضيح الصورة خاصة للشعب المغربي ففي غياب المعلومة الصحيحة تحل مكانها الإشاعة، ذلكم ان الطبيعة لا تقبل الفراغ كما يقول المثل فكان يحرس على لقاء القائمين على وسائل الاعلام في اجتماعات أسبوعية او الاتصال بهم بشكل مستمر ومدهم بالمعلومات والمعطيات بما فيها الأفكار والتوجيهات ووضع رجل الإعلام في صلب المواقف. الصحراويون يستحضرون المكاسب الدبلوماسية والسياسية للراحل. تمكن الرئيس الشهيد الراحل، طيلة فترة حكمه رفقة باقي أعضاء جبهة البوليساريو والمناضلين في صفوفها، التعريف بعدالة القضية الصحراوية في مختلف المحافل الدولية حيث افتكت الجبهة عدة اعترافات هامة بشرعيتها وبكونها الممثل الوحيد للشعب الصحراوي في كفاحه ضد المحتل المغربي لاسترجاع أرضه المغتصبة. وتبنى الرئيس الراحل القضية الصحراوية منذ ربيع شبابه فكانت “القوة، الإصرار والعزيمة” أهم المبادئ التي رافقت دربه ومكنته من تحمل كل المصاعب وتجاوز مختلف العراقيل التي وضعها الاحتلال المغربي في طريقه، ورفض مرارا وتكرارا “التخلي أو المتاجرة بقضية” شعبه الذي ما انفك يجدد ثقته فيه كرئيس وقائد. وفي خطابه بمناسبة الذكرى الأربعين لإعلان الجمهورية الصحراوية قال الرئيس الراحل: “بعد أربعين عاما، ها هي الدولة الصحراوية تستوفي اليوم كل شروط العضوية في الهيئات والمنظمات الدولية”، داعيا كل دول العالم “للمسارعة إلى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ودعم عضويتها في الأمم المتحدة إحقاقا للحق ودعما للسلام واستكمالا لتصفية الاستعمار من القارة الإفريقية”. وبفضل مساعيه السياسية، أصبحت الجمهورية الصحراوية في نوفمبر 1984 عضوا في منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك (الاتحاد الإفريقي حاليا)، وتم انتخاب الرئيس الراحل عبد العزيز نائبا لرئيس الهيئة القارية في نفس السنة، قبل أن ينتخب مرة أخرى في نفس المنصب عام 2002. كما عين الرئيس الراحل ممثلا من بين ثلاثة ممثلين لدول شمال إفريقيا في مجلس السلم والأمن الإفريقي عند تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 2002. وصمد ومضى المناضل الصحراوي، سائرا نحو الهدف المنشود، يحشد التأييد لقضيته، ويوسع الاعتراف بها بخطى ثابتة، تركت أثرا بارزا في كل القارات، وفي المحافل الدولية وخاصة الاتحاد الإفريقي وكله إيمانا بأن الجمهورية الصحراوية المستقلة الكاملة السيادة على ترابها الوطني تشكل “عامل اعتدال وتوازن و استقرار في المنطقة”. والملفت في شخصية الرئيس الراحل هو النفس الطويل الذي اتسم به، حيث لم يطرق اليأس يوما بابه وهو ينتظر ساعة الفرج، داعيا “للسلم كمبدأ استراتيجي وكقناعة نضالية لا بديل عنها”. وأكد في العديد من المناسبات قائلا: “أكدنا لشعبنا أننا بدأنا حربا طويلة الأمد، فكفاح الشعوب مثل فلسطين وجنوب إفريقيا والجزائر استمرت عقودا من الزمن، ونحن ككل مرة مصممون ومقتنعون أن النصر قادم”.