أخبار دزاير : قررت محكمة العدل الأوروبية مؤخرا إلغاء اتفاقي الشراكة والصيد البحري الموقعين ما بين الإتحاد الاوروبي و المملكة المغربية، وذلك بعد طعنين تقدمت بهما جبهة البوليساريو سنة 2019.
الأكيد أن لديكم ما تقولون حول هذا الإنجاز الذي شاركتم في تحقيقه وعن آثاره وانعكاساته على التعامل الدولي مع القضية الصحراوية؟
البشير أبي بشرايا :قرار المحكمة الأوروبية الصادر يوم 29 سبتمبر الماضي، لا يعتبر انتصارا باهرا للقضية الصحراوية فحسب وانما نقطة تحول، خاصة على المستوى القانوني وما لذلك من تبعات سياسية واقتصادية على القضية الصحراوية التي تمر من منعطف أقل ما يقال عنه أنه حاسم بالنسبة للصحراء الغربية والمنطقة بكاملها.
نقطة الارتكاز الرئيسة للطعون التي تقدمنا بها وللأساس الذي بنى عليه القضاة الأوروبيون قرارهم هو القرار التاريخي الصادر عن محكمة العدل الأوروبية ديسمبر 2016 والذي أكدت فيه المحكمة أن الصحراء الغربية إقليم منفصل ومتمايز عن المملكة المغربية، وعلى حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وعلى جبهة البوليساريو كممثل لشعب الصحراء الغربية وربط أي نشاط اقتصاديفي الإقليم بموافقة شعب الصحراء الغربية.
عمليا، بالنسبة لجميع المراقبين، لقد قضي الأمر حينها، ولم يعد ثمة أية إمكانية لتوقيع اتفاقيات مع المغرب تشمل أراضي الصحراء الغربية، بيد أن الاتحاد الأوروبي، وانطلاقا من تقليده الراسخ في محاباة المغرب بأي ثمن، عمد إلى الإتحاد الأوروبي لتجديد الاتفاقيتين مع شموليتهما بشكل صريح للصحراء الغربية يناير 2019 وهو ما يشكل خرقا سافرا لقرار 2016.
وعلى هذا الأساس تقدمنا بطعنين وطلبنا إلغاء الاتفاقين، الأول المتعلق بالشراكة الحرة والمنتجات الزراعية والثاني المتعلق بالصيد البحري.
وبالفعل المحكمة أعطتنا الحق وأنصفتنا وأقرت إلغاء الاتفاقين بشكل تام، بناء على نفس الحجج التي تقدمنا بها.
وهذا يعد أكبر مكسب،خاصة إذا عرفنا أننا خضنا هذه المعركة ضد مجلس الإتحاد الأوروبي، ضد المفوضية وضد فرنسا وإسبانيا والمغرب. لقد خاضها الشعب الصحراوي لوحده مسلح بقوة الحق والقانون فقط في مواجهة تلك الجهات النافذة بإمكانياتها الهائلة.
من ناحية أخرى، فإن الحكم الصادر الشهر الماضي تضمن العديد من المكاسب الجديدة بالمقارنة مع التي كانت موجودة في حكم سنة 2016، وأبزها على الإطلاق هو تكريس شرعية تمثيل جبهة البوليساريو للشعب الصحراوي بشكل حصري، وامتلاكها الشخصية القانونية التي تعطيها أهلية الترافع أمام المحاكم الأوربية للدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي إقليم الصحراء الغربية.
هذا المكسب لا يقدر بثمن وينسف من الأساس مغالطات الإتحاد الأوربي ودعايات الاحتلال. إضافة إلى ذلك فالحكم أقبر بشكل نهائي أطروحة المنفعة بالنسبة للسكان التي روج لها الإتحاد الأوربي لتبرير الاتفاقين، مؤكدا أن المنفعة فعلية أو متوهمة لا يعتد بها وأن الشرط الأول والأخير هو موافقة الشعب الصحراوي.
بالإضافة إلى ذلك، قطع الحكم الطريق أمام مناورات المفوضية الأوروبية حول زعم القيام بمشاورات داخل الإقليم، مؤكدا أن تلك المشاورات لا يمكن بأي شكل من الأشكال تعويض الشرط المسبق الجوهري المتمثل في الموافقة الأصلية والحرة لشعب الصحراء الغربية. لقد حرر القضاة الحكم هذه المرة بشكل لا يترك مجالا للتأويل، ويجعل من عزم الإتحاد الأوروبي المفترض أمرا معقدا وغير قابل لتأسيس قانوني مقنع، وهو ما يضاعف إحراج بروكسيل إزاء صورتها عبر العالم التي ستتأثر بمواصلة تحدي قرارات القضاء الأوروبي.
القرار يشكل ضربة سياسية ودبلوماسية موجعة للإتحاد الأوروبي وسياساته المحابية للمملكة المغربية، وأخرى أكثر إيلاما لاقتصاد الاحتلال الذي سيتأثر بشكل كبير بعد انتفاء الإطار القانوني أمام الشركات الأوروبية التي لن تجد بدا من الانسحاب خوفا من سيف العدالة وهو ما سيؤثر كذلك على مشروع الاحتلال في تغيير الوجه الديمغرافي للإقليم من خلال جلب الآلاف من المستوطنين ضمن مشاريع النهب الجارية الآن.
من جهة أخرى، فالقرار شكل ضربة لسياسات المغالطة التي لجأت لها الرباط بعد القرار اللاشرعي لإدارة ترامب، من خلال إعادة وضعه القضية في سياقها ونصابها القانوني المعروف.
ونحن على بعد أيام فقط من بدء مداولات مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية، فإن قرار المحكمة الأوروبية سيكون الحاضر الأبرز خلال المداولات ويفترض أن يلقي بظلاله هناك، مؤكدا أن لا بد من تسوية النزاع على أساس قوانين الشرعية الدولية، وأن السلام يؤسس على العدالة أولا وليس على أساس فرض الأمر الواقع.
تعيين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمبعوث شخصي جديد للصحراء الغربية بموافقة من الإحتلال المغربي، اعتبره بعض المتابعين تحولا جديدا لصالح القضية الصحراوية، نتيجة إصرار المخزن سابقا على عرقلة تعيين مبعوث للأمين العام للأمم المتحدة.. فما تعليقكم؟
اليوم، لا نستطيع أن نعتبر أن تعيين دي ميستورا يعتبرا تطورا لصالح القضية، انطلاقا من موقفنا المعروف، بأن تعيين المبعوث الشخصي لا يمكن أن يكون هدفا في حد ذاته، وأن أهميته تنبع من التقدم الفعلي لا البروتوكولي والإعلامي الذي سيحقق على الأرض. نحن لدينا حالة إحباط مزمن، بسبب فشل مأمورية كل المبعوثين الشخصيين السابقين. فشلهم لم يكن بسببهم كأشخاص، على الإطلاق، لأن الملف تداولت عليه شخصيات دولية مرموقة أولها جيمس بيكر وآخرها هورست كوهلر، وانتهت برمي المنشفة.
سبب الفشل المزمن، في اعتقادي يعود إلى مجلس الأمن الدولي والمقاربة التي اعتمدها خاصة خلال العقدين الأخيرين والتي تتأسس علي الرهان على الحفاظ على الأمر الواقع من خلال تسيير النزاع، بدلا من حله.
تلك المقاربة السلبية غذت غطرسة المغرب، ومع مرور الزمن غدت أسباب الانزلاق وهو ما حدث يوم 13 نوفمبر 2020 من خلال انهيار وقف إطلاق النار، بسبب حماقة الاحتلال المغربي.
ونحن بالرغم من قبولنا تعيين دي ميستورا منذ آبريل الماضي واعترافنا بقدراته الهائلة وبالسمعة الطيبة التي يتحلى بها، إلا أننا نعرف أن مصيره لن يختلف عن سابقيه إذا لم يغير مجلس الأمن من مقاربته في التعاطي مع النزاع ويستعيد نص وروح المأمورية الأصلية. إن سبب فشل كوهلر، لا يتعلق به شخصيا و لا بالمجهودات الكبيرة التي قامت بها ألمانيا لمساعدته وإنما بسبب غموض المأمورية التي يتوصل بها من طرف المجلس، عبارات من مثل “حل سياسي، متفق عليه، على أساس الواقعية….. الخ” هي عبارات تجعل المأمورية غامضة وتحكم على الوسيط بالفشل السابق، وعليه فإن الكرة في ملعب المجلس أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن الوضع على الأرض ووضع الاحتقان في المنطقة لم يعد يسمح بذلك.
إما أن يتحمل المجلس مسؤوليته هذه المرة بشكل تام، ويظهر نية واضحة لفرض الحل العادل المتفق عليه أصلا، أو فإن النتيجة هذه المرة لن تكون استقالة مبعوث شخصي بل ربما حدوث المزيد من المنزلقات في منطقة حساسة بالنسبة لأمن واسترار العالم.
أكد وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن ” تعليقا على تعيين ستيفان ديميستورا “نحن ندعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل دائم ومشرف للنزاع في الصحراء الغربية.
” فإلى أي مدى يمكن أن يعكس هذا التصريح تحول نظرة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ” جو بايدن ” للقضية الصحراوية بعد تغريدة الرئيس السابق ”
دونالد ترامب “؟من حيث المبدأ نحن لا زلنا نأمل في قيام الإدارة الأمريكية الجديد بإعلان التراجع عن قرار ترامب اللاشرعي بشكل علني. مع ذلك وجبت الإشارة إلى أن إدارة بايدن، ومنذ اليوم الأول أخذت مسافة واضحة من قرار ترامب، واستعادت خطابها التقليدي في التعامل مع القضية الصحراوية من حيث إطارها القانوني والأمم المتحدة كإطار حصري لتسويتها، من خلال تصريحات غالبية المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم كاتب الدولة في تغريدته المشار إليها في السؤال.
بالإضافة الى ذلك، فبيانات البنتاغون وقيادة إفريقيا للجيش الأمريكي المكذبة لدعايات الحكومة المغربية حول مشاركة قوات أمريكية في مناورات الأسد الأفريقي يونيو الماضي، تعتبر، رفقة الامتناع عن فتح قنصلية في المدن المحتلة الصحراوية إشارات إيجابية، تجعل من إعلان ترامب مجرد تغريدة عالقة في مكان ما في هذا العالم الافتراضي.
ومع ذلك نعيد التأكيد، أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة حاولت لعب أدوار متقدمة خلال المراحل الماضية للدفع بعملية التسوية، وما زال من الممكن لعب دور مهم وهو يتطلب، بالضرورة، أن لا تبدو واشنطن، وهي حاملة قلم قرارات المجلس، كما لو كانت قد انحازت لأحد الأطراف على حساب الآخر.
سعى الإحتلال المغربي إلى استغلال التطبيع مع الكيان الصهيوني والاستفادة من ذلك من أجل تحقيق مكاسب سياسية جديدة دوليا، لكن ما وقع هو العكس، حيث تلقت دبلوماسية المخزن عدة صفعات بأوروبا، وإفريقيا والأمم المتحدة، فكيف تفسرون ذلك ؟
ما حدث بين إسرائيل والمغرب هو تغيير إجرائي في مستوى العلاقات، لكن في الجوهر التحالف قائم من ستينات القرن الماضي على الأقل.
“ظاهرة ترامب” كانت وراء ذلك التغيير في تلك العلاقة النشاز. وما بني على خطأ، فهو خطأ ولن يدوم، مهما كانت قوة الألعاب النارية التي رافقت العملية.
قوة الحق والقانون وشرعية الكفاح الذي يخوضه الشعب الصحراوي أقوى وأسمى وأقدر على الصمود من أية حسابات ظرفية وتحالفات مخالفة للطبيعة. فأمام تيار المقاومة الصحراوي الجارف وقوة مواقف حلفائها المبدئيين، تستجلب المملكة المغربية إسرائيل للمنطقة للاحتماء بها من جهة ولمواصلة مشاريعها التخريبية لأمن واستقرار المنطقة من جهة أخرى.
بالفعل فالنتائج كانت عكسية لتلك الخطوة، فقد تعزز موقع الجمهورية الصحراوية داخل الإتحاد الإفريقي، خاصة بعد قمة إسكات البنادق ديسمبر 2020 وقمة مجلس السلم والأمن للاتحاد الافريقي مارس 2020 والتي تبنت خارطة الطريق المطلوبة لتجاوز المنزلق الذي زج المغرب المنطقة فيه 13 نوفمبر 2020 والمبنية على أساس البلدين العضوين في الاتحاد الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربي، وضرورة احترام الميثاق التأسيسي ولا سيما البند الرابع المتعلق بقدسية الحدود الموروثة غداة الاستقلال.
على مستوى أوروبا ما زالت أزمة العلاقات الثنائية بسبب الصحراء الغربية مفتوحة مع إسبانيا وألمانيا وحتى البرلمان الأوروبي.أما فيما يتعلق بالأمم المتحدة، فقد بدا من الواضح للعيان مسؤولية المغرب المباشرة عن انهيار وقف إطلاق النار ومسار التسوية ومسؤوليته عن الحرب الدائرة رحاها والتي يحاول التستر عليها وفضحه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة وكذا التقارير الصحفية التي أعدها الصحفيون الدوليون الذين تمكنوا من التواجد مع المقاتلين الصحراويين مؤخرا.
بالعودة إلى إسبانيا، وقرار القضاء الإسباني حفظ ملف رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إبراهيم غالي في الأرشيف وفضحه للإتهامات المغربية الملفقة … فهل من توضيحات بهذا الشأن؟
كان من الواضح منذ البداية أن الأمر يتعلق بفصل آخر من الحملات الدعائية المغربية الرامية إلى تشويه كفاح الشعب الصحراوي. استهداف الأخ الرئيس، بسبب مكانته الرمزية في هذا الإطار، لكن في النهاية وبسبب وجود الحق إلى جانبنا والباطل إلى جانب الاحتلال، تحول المسار القضائي إلى انتصار كبير للقضية الصحراوية وهزيمة أخرى للاحتلال والدوائر المرتبطة به.
الحكومة الإسبانية في لفتة مشكورة تفضلت باستقبال الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي وعلاجه إثر إصابته بالكوفيد، وهي خطوة عادية وتدخل في إطار التقاليد الدبلوماسية المتعارف عليها، بيد أن المغرب، وفي إطار سياسته العدائية ليس ضد الشعب الصحراوي فحسب، ولكن ضد إسبانيا أيضا، أراد خلق زوبعة في فنجان من خلال استغلال تواجد الرئيس في إسبانيا لإحياء دعاوى وُلدت ميتة أصلا، وتمت فبركتها في أقبية المخابرات المغربية ضد العديد من المسؤولين الصحراويين ومنهم الرئيس غالي.
في الحقيقة تواجد الرئيس لأغراض صحية، ليس سوى حجة واهية، لكن السبب الحقيقي هو الأزمة الصامتة بين البلدين حول العديد من القضايا وأبرزها موقف مدريد من الإعلان اللاشرعي لترامب، وموضوع المياه الإقليمية قبالةجزر الكناري، إضافة إلى قضايا أخرى. المغرب لجأ إلى اللعبة التي يتقن، ألا وهي الابتزاز، لكن هذه المرة أعطت نتائج عكسية كما بدا واضحا من خلال ردود الفعل في إسبانيا وفي أوروبا وفي العالم على قرار الرباط الدفع بالقصر للغرق والعبور نحو سبتة. في المقابل البوليساريو والرئيس الصحراوي شخصيا عرف كيف يتعامل، انطلاقا من إيمانه بقوة القانون والعدالة، بالمسؤولية ورباطة الجأش المطلوبة واستطاع من على سرير المرض، خوض معركة نضالية أخرى، تمكن من خلالها من فضح الاحتلال وإسقاط جميع القضايا الملفقة بموجب قرارات واضحة من المحكمة الاسبانية.
وماذا عن تواصل آلة قمع الاحتلال المغربي ضد المواطنين الصحراويين، وخاصة الناشطين في ميدان حقوق الإنسان ..فكيف تصفون هذه الوضعية وما هي رسالتكم للمنظمات الدولية ؟
موضوع حقوق الإنسان يُشكل احدى التجليات الأكثر فظاعة لفشل الأمم المتحدة على مدار ثلاثين سنة في تنفيذ مأموريتها في الصحراء الغربية والمتمثلة في تصفية الاستعمار وتنظيم استفتاء تقرير المصير.
مازالت ” المينورسو ” تشكل حالة شاذة من بين جميع بعثات الأمم المتحدة من خلال عدم امتلاكها صلاحية التقرير عن حقوق الانسان في الصحراء الغربية، والجميع يعرف السبب في ذلك، ألا وهو الفيتو المزدوج المغربي الفرنسي.
” المينورسو ” فشلت في تنظيم الاستفتاء وهو مهمتها الرئيسة، ولم يعد ثمة وقف لإطلاق النار حتى تراقبه، واذا لم تقم بشيء تجاه حماية المدنيين الصحراويين تحت الاحتلال الذي يتعرضون لحملات بطش غير مسبوقة، فلم يعد ثمة معنى لاستمرار وجودها.
المنظمات الحقوقيةالدولية بكاملها ما فتئت تندد بالممارسات المغربية، وآخرها ” آمنستي ” التي وجهت نداء للرئيس الأمريكي جو بايدن بهذا الصدد.
الإقليم مغلق أمام المراقبين، ولا يُسمح لأي كان ولوجه، فما بالك اللقاء بالنشطاء الحقوقيين، ومؤخرا تم طرد بعثة طبية وحقوقية إسبانية كانت تنوي زيارة المناضلة الصامدة سلطانة خيا للاطمئنان على حالتها بد حوالي سنة من الحصار والتعذيب والبطش بها وبعائلتها.
الوضعية مزرية جدا في المدن المحتلة، واستمرار تجاهل مجلس الأمن الدولي لتلك الوضعية لا يشجع الصحراويين ولا حلفائهم عبر العالم لامتلاك أدنى ثقة أو أمل في قدرة الأمم المتحدة على تسوية النزاع بشكل عادل.