عين الأمين العام للأمم المتحدة “انطونيو غوتيريس” يوم الجمعة الماضي الدبلوماسي الروسي “ألكسندر إيفانكو”، ممثلا خاصا له الى الصحراء الغربية خلفا للكندي كولين ستيوارت.
ويأتي التعين مخالفا للتوجه الذي ساد حتى شهر يوليو الماضي، حيث كشفت مصادر دبلوماسية ان الأمين العام للأمم المتحدة قرر تعيين ممثلته الخاصة الى البوسنة والهرسك “إليزابيث سبيهار” في منصب الممثل الخاص ورئيسة بعثة المينورسو في الصحراء الغربية، قبل ان يتم التراجع عن القرار لاحقا. ويبدو ان التطورات المتعلقة بالحرب في الصحراء الغربية، والأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة قد دفعت الأمم المتحدة إلى إعادة ترتيب اوراقها خاصة في ظل فشل الأمين العام في تعيين مبعوث جديدالى الصحراء الغربية خلفا للرئيس الألماني الأسبق “هورست كوهلر”.
تدرك الامم المتحدة جيدا ان الوضع في الصحراء الغربية قابل للتصعيد وسبق لها ان كشفت عن ذلك خلال الجلسة التي عقدها مجلس الامن الدولي حول الصحراء شهر ابريل الماضي عندما حذرت الامانة العامة مجلس الامن الدولي من ان الوضع في الصحراء الغربية غير مستقر ويمكن ان يؤدي الى تصعيد، كما ان استمرار المغرب في سياسة فرض الأمر الواقع بالصحراء الغربية، ستدفع جبهة البوليساريو الى التصعيد من خلال المواجهة المباشرة مع الجيش المغربي، لذلك كان من الضروري الاستعانة بخبرة الدبلوماسي الروسي من جهة لتنظيم أوراق المينورسو ومن جهة أخرى سد الفراغ الذي تركه شغور منصب المبعوث الشخصي.
وفضلا عن خبرته في العمل الدولي، يمتلك الدبلوماسي الروسي خبرة طويلة في التسيير انطلاقا من عمله كرئيس لأركان بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية على مدار أكثر من عشر سنوات، كما انه مدرك لحجم التحديات التي كادت انتعصف بمصداقية الأمم المتحدة خلال أزمتي طرد المكون المدني والكركرات.
وأمام الدبلوماسي الروسي جملة من التحديات في مقدمتها كيف يمكن التعاطي مع الوضع الجديد الذي أفرزته حالة الحرب المندلعة منذ 13 نوفمبر2020 والتطورات التي قد تحدث خاصة بعد إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. وستكون مهمة الدبلوماسي الروسي امام اختبار حقيقي يتعلق بمصداقية الأمم المتحدة، ومدى قدرتها على الحفاظ على الحياد الذي هو يميز عمل بعثات السلام عبر العالم، وتمكين المينورسو من الاضطلاع بكامل مهامها التي حددها مجلس الامن الدولي.
ويطمح الامين العام للأمم المتحدة في ان يساهم تعيين الدبلوماسي الروسي على رأس المينورسو في فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الامم المتحدة وجبهة البوليساريو، والتي تضررت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، نتيجة الفشل في تصحيح الاختلالات التي سجلت بفعل تقاعس الأمم المتحدة عن ردع المغرب.
ويرتبط نجاح مهمة “ألكسندر إيفانكو” بمدى استعداد الأمم المتحدة لقبول شروط جبهة البوليساريو التي وضعتها على الطاولة، وفي مقدمتها جعل الاراضي الصحراوية المحررة مكانا للقاءات الرسمية ، و اتخاذ قرارات بشأن مسالة حياد البعثة التي رضخت للإملاءات المغربية بخصوص حمل مركباتها لوحات ترقيم مغربية، ووضع أختام على جوازات سفر موظفي البعثة لدى دخولهم إلى الصحراء الغربية وخروجهم منها، بالإضافة الى البحث عن ميكانيزمات لوقف إطلاق النار، والذي بات مرتبطا بتوفر ضمانات اممية تضع خارطة طريق واضحة المعالم بخصوص تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي.
ويتسلح الدبلوماسي الروسي في مهمته الجديدة بدعم موسكو التي تصدت خلال السنوات الاخيرة للمحاولات المتكررة لإضعاف بعثة المينورسو، وتقويض مهمتها الرئيسية التي تأسست من اجلها، المتمثلة في تنظيم الاستفتاء.
هل ستتولى روسيا مهام حامل القلم حول قضية الصحراء الغربية داخل مجلس الامنالدولي؟
مما لا شك فيه ان اعلان الرئيس الأمريكي الأسبق “دولاند ترامب” الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية، قد أضعف الموقف الامريكي، وابعد واشنطن عن الاضطلاع باي دور مستقبلي في قضية الصحراء الغربية، مما طرح تساؤلات حول مدى جدوائية استمرار الولايات المتحدة في تراس مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية باعتبارها حاملة القلم، والذي مكنها خلال السنوات الماضية من صياغة القرارات المتعلقة بالقضية الصحراوية.
وتتوقع مصادر دبلوماسية حدوث تحول بخصوص مسالة رئاسة مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية، مع ترجيح ان تتولى روسيا مهام حامل القلم في ظل استمرار الغموض بشأن موقف إدارة الرئيس “جو بايدن” من اعلان ترامب، واقتراب الموعد السنوي لتجديد مهمة بعثة المينورسو التي ستنتهي نهايةشهر أكتوبر المقبل وما يفرض ذلك من اجتماعات وتحضيرات.
وبدون شك فان موسكو التي اعربت في مناسبات عديدة عن عدم رضاها للطريقة التي تتم بها صياغة القرارات المتعلقة بالقضية الصحراوية، مما دفعها الى الامتناع عن التصويت لصالح خمسة قرارات من أصل ستة اتخذها مجلس الامن منذ 2016، متحمسة للعب دور متقدم في التوجهات المستقبلية المتعلقة بالملف الصحراوي.
وإذا نظرنا الى تركيبة مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية، والتي تضم روسيا، فإننا نجد فرنسا التي فقدت منذ عقود اي دور لانحيازها المفضوح للمغرب، والولايات المتحدة التي اعلنت إدارتها السابقة الاعتراف بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية، وبريطانيا التي لم تضطلع في أي وقت بدور في قضية الصحراء الغربية، واخيرا اسبانيا التي انضمت للمجموعة انطلاقا من الروابط التاريخية والسياسية التي تربطها بالصحراء الغربية.
وتؤكد ورقة تحليلية أعدها قسم الدراسات بموقع صمود شهر جوان 2020 حول تطور الموقف الروسي وانعكاساته وافاقه المستقبلية على القضية الصحراوية[1]، ان موسكو تحاول منذ 2016 توجيه رسائل بشأن اهتمامها المتزايد بالملف الصحراوي، واستعدادها للدفاع عن موقفها حتى ولو تطلب الامر استخدام اوراق استراتيجية كحق النقض داخل مجلس الامن الدولي.
الموقف الروسي كان بارزا عندما أعلنت موسكو رفضها للخطوة الأحادية الجانب التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دولاند ترامب” ديسمبر2020، والتي من شانها تقويض الإطار القانوني الدولي المعترف به لتسوية قضية الصحراء الغربية، والذي ينص على تحديد الوضع النهائي لهذه الأراضي، من خلال استفتاء برعاية الأمم المتحدة. وأكد التحليل ان روسيا بإمكانها إحداث التحول المطلوب في مسار التطورات المتعلقة بالصحراء الغربية، وقد تجلى ذلك في الضغوط التي أدت الى احباط المناورات بأزمتي طرد المكون المدني للمينورسو والكركرات.
تراجع حدة الموقف المغربي وقبول الرباط المشاركة في لقاءات جنيف، وتلويح موسكو باستغلال نفوذها لفرض العودة للشرعية الدولية في الصحراء الغربية، والتصدي لمحاولات العبث بمصالحها بالمنطقة او تجاهلها.
وأشار التحليل الى ان روسيا بإمكانها إحداث التحول المطلوب، نظرا لعلاقاتها الجيدة بطرفي النزاع -المغرب وجبهة البوليساريو-والنفوذ القوي الذي تحظى به بالمنطقة مما يمكنها من ممارسة الضغط الكاف في اتجاه احياء مخطط التسوية الاممي الافريقي، وإطلاق مفاوضات حقيقية وشاملة بين المغرب وجبهة البوليساريو.